الحمل رحلة مدهشة ومليئة بالتغيرات والترقب، ولكنها قد تحمل في طياتها بعض التحديات الصحية التي تتطلب وعياً وانتباهاً. من بين هذه التحديات يبرز سكري الحمل وهي حالة قد تثير القلق لدى الكثير من الأمهات الحوامل. لكن الخبر السار هو أن سكري الحمل حالة شائعة نسبياً ويمكن إدارتها بفعالية كبيرة عند اكتشافها مبكراً والتعامل معها بالشكل الصحيح، مما يضمن الحفاظ على صحتكِ وصحة جنينكِ النامي.
![]() |
سكري الحمل: الأعراض والعلاج والوقاية - دليلك الشامل |
نحن ندرك تماماً ما قد تشعرين به من تساؤلات ومخاوف عند سماع مصطلح "سكري الحمل". لذلك أعددنا لكِ هذا المقال ليكون مرجعكِ الشامل والموثوق، حيث نقدم لكِ معلومات طبية دقيقة ومبسطة، مستندة إلى أحدث المصادر العلمية الموثوقة.
سنغطي معاً كل ما تحتاجين معرفته: بدءاً من فهم ماهية سكري الحمل وأسبابه، مروراً بكيفية تشخيصه والمضاعفات المحتملة، وصولاً إلى طرق العلاج والإدارة الفعالة، ونصائح للوقاية والمتابعة بعد الولادة. هدفنا هو تمكينكِ بالمعرفة اللازمة لتخطي هذا التحدي بثقة وطمأنينة، والمساهمة في جعل رحلة حملكِ أكثر صحة وسعادة.
ما هو سكري الحمل؟ (التعريف والأسباب)
سكري الحمل (Gestational Diabetes) هو نوع محدد من داء السكري يتم تشخيصه للمرة الأولى خلال فترة الحمل لدى نساء لم يكنّ مصابات بالسكري قبل الحمل. مثله مثل أنواع السكري الأخرى، يؤثر سكري الحمل بشكل أساسي على الطريقة التي تستخدم بها خلايا جسمكِ السكر (الجلوكوز) كمصدر للطاقة، مما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم عن المعدل الطبيعي.
من المهم جداً أن تعرفي أن سكري الحمل يختلف عن داء السكري من النوع الأول أو النوع الثاني الذي قد يكون موجوداً لديكِ قبل حدوث الحمل. والجانب المطمئن في أغلب الحالات هو أن سكري الحمل عادةً ما يختفي من تلقاء نفسه بعد الولادة مباشرة أو خلال فترة قصيرة بعدها.
كيف يحدث سكري الحمل؟
لفهم كيف يحدث سكري الحمل نحتاج إلى فهم الدور الذي تلعبه الهرمونات أثناء الحمل. خلال فترة الحمل تفرز المشيمة (العضو الذي يغذي الجنين) مجموعة من الهرمونات الضرورية لدعم نمو الجنين وتطوره. ولكن هذه الهرمونات نفسها يمكن أن يكون لها تأثير جانبي حيث تعيق عمل الأنسولين في الجسم. الأنسولين هو هرمون حيوي ينتجه البنكرياس ووظيفته الأساسية هي مساعدة الجلوكوز (السكر) الموجود في الدم على الدخول إلى خلايا الجسم لاستخدامه كطاقة.
عندما تعيق هرمونات الحمل عمل الأنسولين تصبح خلايا الجسم أقل استجابة له، وهذه الحالة تُعرف طبياً باسم "مقاومة الأنسولين". بشكل طبيعي يحاول البنكرياس التعويض عن هذه المقاومة عن طريق إنتاج كميات أكبر من الأنسولين، قد تصل إلى ثلاثة أضعاف المعدل الطبيعي في بعض الأحيان.
في معظم حالات الحمل يتمكن البنكرياس من مواكبة هذه الحاجة المتزايدة وينجح في الحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن المعدل الطبيعي. ولكن لدى بعض النساء - وخاصة اللواتي لديهن عوامل خطر معينة - قد لا يتمكن البنكرياس من إنتاج كمية كافية من الأنسولين للتغلب على تأثير هرمونات الحمل المقاومة للأنسولين. ونتيجة لذلك يبقى الجلوكوز في مجرى الدم بكميات أكبر من المعتاد مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى السكر في الدم والإصابة بسكري الحمل.
من المهم إدراك أن سكري الحمل ليس "خطأ" الأم أو نتيجة مباشرة لشيء فعلته أو لم تفعله. إهو في الأساس نتيجة لتفاعل فسيولوجي طبيعي ومعقد يحدث بسبب التغيرات الهرمونية الضرورية للحمل، وقدرة جسم الأم على التكيف مع هذه التغيرات. فهم هذه الآلية يمكن أن يساعد في تخفيف أي شعور بالذنب ويشجع على التعامل مع الحالة بإيجابية وتركيز على الإدارة الفعالة.
هل أنتِ معرضة لخطر الإصابة بسكري الحمل؟ (عوامل الخطر)
بينما يمكن لأي امرأة حامل أن تصاب بسكري الحمل فهناك بعض العوامل التي تزيد من احتمالية حدوثه. معرفة هذه العوامل تساعدكِ أنتِ وطبيبكِ على تقييم مدى خطورة إصابتكِ واتخاذ الاحتياطات اللازمة. وجود عامل أو أكثر لا يعني بالضرورة أنكِ ستصابين بسكري الحمل، ولكنه ينبه إلى أهمية المتابعة والفحص.
من أبرز عوامل الخطر:
- زيادة الوزن أو السمنة قبل الحمل: إذا كان مؤشر كتلة الجسم (BMI) لديكِ 30 أو أعلى قبل الحمل فإن خطر الإصابة بسكري الحمل يزداد بشكل ملحوظ.
- قلة النشاط البدني: نمط الحياة الخامل وعدم ممارسة التمارين الرياضية بانتظام يمكن أن يزيد من خطر الإصابة.
- تاريخ شخصي للإصابة بسكري الحمل: إذا كنتِ قد أصبتِ بسكري الحمل في حمل سابق فإن احتمالية تكرار الإصابة به في الحمل الحالي أو المستقبلي تكون أعلى.
- تاريخ عائلي للإصابة بداء السكري: وجود قريب من الدرجة الأولى (أب، أم، أخ، أخت) مصاب بداء السكري، خاصة النوع الثاني، يزيد من خطر إصابتكِ.
- الإصابة بمقدمات السكري (Prediabetes): إذا تم تشخيصكِ بمرحلة ما قبل السكري (حيث تكون مستويات السكر في الدم أعلى من الطبيعي ولكن ليست مرتفعة بما يكفي لتشخيص السكري) قبل الحمل فأنتِ أكثر عرضة للإصابة بسكري الحمل.
- العمر المتقدم: النساء اللاتي تزيد أعمارهن عن 25 أو 30 عاماً (حسب المصادر المختلفة) يعتبرن أكثر عرضة للإصابة.
- الأصول العرقية: بعض المجموعات العرقية لديها استعداد أعلى للإصابة بسكري الحمل مثل النساء من أصول آسيوية، وإسبانية، وأفريقية أمريكية، وسكان أمريكا الأصليين، وعرب شبه الجزيرة العربية.
- إنجاب طفل سابق بوزن كبير: إذا كان لديكِ طفل سابق وُلد بوزن زائد (أكثر من 4 أو 4.1 كيلوجرام أو ما يعادل 9 أرطال)، فهذا يزيد من احتمالية إصابتكِ بسكري الحمل في الحمل التالي.
- متلازمة المبيض المتعدد الكيسات (PCOS): النساء المصابات بهذه المتلازمة لديهن خطر أعلى للإصابة بسكري الحمل.
- الحمل بتوأم أو أكثر: الحمل بأكثر من جنين واحد يزيد من العبء الهرموني وبالتالي يزيد من خطر الإصابة.
- عوامل أخرى: بعض الحالات الصحية الأخرى مثل أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم قد تزيد أيضاً من خطر الإصابة بسكري الحمل.
تُظهر عوامل الخطر هذه كيف أن الاستعداد الوراثي أو البيئي لضعف استجابة الجسم للأنسولين أو ضعف قدرة البنكرياس يمكن أن يتفاعل مع التغيرات الهرمونية الطبيعية للحمل ليكشف عن الضعف الكامن ويؤدي لظهور سكري الحمل. هذا يؤكد أهمية الفحص الروتيني لجميع الحوامل وخاصة ذوات عوامل الخطر، ويبرز أهمية اتخاذ إجراءات وقائية تتعلق بالصحة العامة مثل الحفاظ على وزن صحي وممارسة النشاط البدني، حتى قبل التخطيط للحمل قدر الإمكان.
أعراض سكري الحمل: هل تظهر دائماً؟
من النقاط الهامة جداً التي يجب التأكيد عليها هي أن سكري الحمل غالباً ما يحدث دون أن يسبب أي أعراض واضحة أو ملحوظة. هذا هو السبب الرئيسي الذي يجعل الفحص الروتيني لجميع النساء الحوامل أمراً ضرورياً للغاية.
في الحالات التي تظهر فيها بعض الأعراض، فإنها غالباً ما تكون خفيفة وتتشابه بشكل كبير مع الأعراض الشائعة والمألوفة للحمل الطبيعي مثل الشعور بالتعب أو الحاجة المتكررة للتبول. هذا التشابه يجعل من الصعب جداً على المرأة الحامل أو حتى الطبيب تمييز ما إذا كانت هذه الأعراض ناتجة عن سكري الحمل أم أنها مجرد جزء طبيعي من تجربة الحمل.
الأعراض المحتملة (إن وجدت)
على الرغم من أن الأعراض ليست شائعة أو مؤكدة إلا أن بعض النساء المصابات بسكري الحمل قد يلاحظن بعض التغيرات، خاصة في مراحل متقدمة من الحمل (الثلث الثاني أو الثالث). إذا لاحظتِ أياً من الأعراض التالية فمن المهم إخبار طبيبكِ، مع التذكر أنها قد تكون ناجمة عن أسباب أخرى أيضاً:
- زيادة الشعور بالعطش / فرط العطش.
- التبول بشكل متكرر أكثر من المعتاد، وخاصة أثناء الليل.
- الشعور بجفاف مستمر في الفم.
- الشعور بتعب وإرهاق غير مبرر أو أكثر من المعتاد خلال الحمل.
- استمرار الشعور بالغثيان أو يزداد سوءاً.
- تكرار الإصابة بالتهابات مثل الالتهابات المهبلية (الفطرية)، أو التهابات المثانة أو التهابات الجلد.
- عدم وضوح أو تشوش الرؤية.
- أعراض أخرى أقل شيوعاً: في بعض الحالات قد تظهر أعراض أخرى مرتبطة بارتفاع السكر مثل الجوع الشديد أو فقدان الوزن غير المبرر، لكنها تكون أقل شيوعاً في سكري الحمل مقارنة بأنواع السكري الأخرى.
متى تظهر الأعراض عادةً؟
كما ذكرنا يمكن أن يحدث سكري الحمل في أي مرحلة من مراحل الحمل، ولكنه يصبح أكثر شيوعاً خلال الثلث الثاني والثالث. وهذا يتزامن مع الفترة التي يتم فيها إجراء الفحص الروتيني لسكري الحمل عادةً، وهي ما بين الأسبوع الرابع والعشرين (24) والأسبوع الثامن والعشرين (28) من الحمل.
تشخيص سكري الحمل: كيف يتم ومتى؟
نظراً لأن سكري الحمل غالباً ما يكون صامتاً وبدون أعراض واضحة، فإن الفحص الروتيني لجميع النساء الحوامل يعتبر أمراً بالغ الأهمية. التشخيص المبكر هو المفتاح لإدارة الحالة بفعالية وتقليل خطر حدوث أي مضاعفات محتملة لكِ أو لجنينكِ. لا تنتظري ظهور الأعراض لإجراء الفحص، فالفحص جزء أساسي من الرعاية الصحية الروتينية أثناء الحمل.
توقيت الفحص
يتم إجراء الفحص الروتيني لسكري الحمل عادةً لجميع النساء الحوامل بين الأسبوع 24 والأسبوع 28 من الحمل. هذه هي الفترة التي تبدأ فيها هرمونات المشيمة بالتأثير بشكل أكبر على مستويات الأنسولين والسكر في الدم.
ومع ذلك قد يقرر طبيبكِ إجراء الفحص في وقت مبكر من الحمل، ربما خلال زيارتكِ الأولى أو قبل الأسبوع 24 إذا كنتِ تعتبرين من الفئات ذات الخطورة العالية للإصابة بسكري الحمل. يشمل ذلك النساء اللاتي لديهن تاريخ سابق للإصابة بسكري الحمل، أو زيادة كبيرة في الوزن، أو تاريخ عائلي قوي لمرض السكري، أو عوامل خطر متعددة أخرى.
اختبارات تحمل الجلوكوز (OGTT)
الاختبار الأكثر شيوعاً ودقة لتشخيص سكري الحمل هو اختبار تحمل الجلوكوز الفموي (Oral Glucose Tolerance Test - OGTT). هناك طريقتان رئيسيتان لإجراء هذا الاختبار، ويعتمد اختيار الطريقة على البروتوكول المتبع في عيادتكِ أو مختبركِ:
1. الاختبار ذو الخطوتين (Two-Step Test)
وهو الأكثر شيوعاً في بعض المناطق.
- الخطوة الأولى (اختبار تحدي الجلوكوز - Glucose Challenge Test): لا يتطلب هذا الاختبار الصيام عادةً. ستقومين بشرب محلول سكري يحتوي على 50 جراماً من الجلوكوز. بعد ساعة واحدة سيتم سحب عينة دم لقياس مستوى السكر في دمكِ. إذا كانت نتيجة هذا الاختبار أعلى من حد معين (يحدده المختبر أو الطبيب، غالباً حول 140 ملغم/ديسيلتر)، فستحتاجين إلى إجراء الخطوة الثانية لتأكيد التشخيص.
- الخطوة الثانية (الاختبار التشخيصي OGTT): يتطلب هذا الاختبار الصيام لمدة 8 إلى 10 ساعات قبل إجرائه (يُسمح بشرب الماء فقط). عند وصولكِ للمختبر سيتم سحب عينة دم أولى لقياس مستوى السكر وأنتِ صائمة. بعد ذلك ستقومين بشرب محلول سكري يحتوي على كمية أكبر من الجلوكوز (عادةً 75 جراماً أو 100 جرام، حسب البروتوكول المتبع). سيتم بعد ذلك سحب عينات دم إضافية على فترات منتظمة: عادةً بعد ساعة واحدة، وساعتين (وثلاث ساعات في حال استخدام محلول 100 جرام) من شرب المحلول السكري.
2. الاختبار ذو الخطوة الواحدة (One-Step Test)
يتطلب هذا الاختبار أيضاً الصيام لمدة 8 ساعات على الأقل. سيتم قياس مستوى السكر في الدم وأنتِ صائمة. ثم تشربين محلولاً يحتوي على 75 جراماً من الجلوكوز. سيتم قياس مستوى السكر في الدم مرة أخرى بعد ساعة واحدة وبعد ساعتين من شرب المحلول.
ملاحظات هامة قبل الاختبار:
- التزمي بتعليمات الصيام بدقة إذا كان الاختبار يتطلب ذلك.
- يمكنكِ شرب الماء أثناء الصيام ولكن تجنبي المشروبات الأخرى ومضغ العلكة.
- أخبري طبيبكِ بجميع الأدوية والمكملات الغذائية التي تتناولينها، حيث قد يؤثر بعضها على نتائج الاختبار.
- الاختبار التشخيصي (ذو الخطوتين أو اختبار الخطوة الواحدة) يستغرق وقتاً (حتى 3 ساعات)، لذا استعدي لذلك وأحضري شيئاً للقراءة أو لشغل وقتكِ.
فهم نتائج الاختبار
يتم تشخيص سكري الحمل إذا كانت قراءة واحدة أو أكثر من قراءات السكر في الدم أثناء اختبار OGTT التشخيصي (الاختبار ذو الخطوتين أو اختبار الخطوة الواحدة) أعلى من القيم المرجعية المحددة. هذه القيم قد تختلف قليلاً بين الهيئات الصحية المختلفة، ولكن الجدول التالي يوضح القيم التشخيصية الشائعة المستخدمة:
وقت القياس | اختبار 100 جم (يتطلب قراءتين أو أكثر أعلى للتشخيص غالباً) | اختبار 75 جم (يتطلب قراءة واحدة أو أكثر أعلى للتشخيص غالباً) |
---|---|---|
صائم | ≥ 95 | ≥ 92 أو ≥ 95 |
بعد ساعة من شرب المحلول | ≥ 180 | ≥ 180 |
بعد ساعتين من شرب المحلول | ≥ 155 | ≥ 153 أو ≥ 155 |
بعد 3 ساعات من شرب المحلول | ≥ 140 | (لا ينطبق عادةً) |
ملاحظة: القيم قد تختلف قليلاً حسب المختبر والهيئة الصحية المرجعية. استشيري طبيبكِ دائماً لتفسير نتائجكِ بشكل دقيق.
إن تقديم هذه الأرقام بوضوح يساعدكِ على فهم أساس التشخيص ويمكّنكِ من مناقشة النتائج مع طبيبكِ بشكل أفضل، مما يقلل من القلق ويدعم مشاركتكِ الفعالة في خطة الرعاية الخاصة بكِ.
تأثير سكري الحمل: المضاعفات المحتملة عليكِ وعلى جنينكِ
إذا لم يتم التحكم في مستويات السكر في الدم بشكل جيد أثناء الحمل، فإن سكري الحمل يمكن أن يؤدي إلى بعض المضاعفات التي قد تؤثر عليكِ وعلى صحة جنينكِ على المدى القصير والطويل. التشخيص المبكر والالتزام بخطة العلاج هما أفضل طريقة لتقليل هذه المخاطر بشكل كبير.
مضاعفات على الأم
سكري الحمل غير المتحكم به يمكن أن يزيد من خطر تعرضكِ لبعض المشاكل الصحية أثناء الحمل وبعده:
- ارتفاع ضغط الدم ومقدمات الارتعاج (تسمم الحمل): يزيد سكري الحمل من خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، وحالة أكثر خطورة تسمى مقدمات الارتعاج (تسمم الحمل - Preeclampsia)، والتي تتميز بارتفاع ضغط الدم ووجود بروتين في البول، ويمكن أن تهدد حياة الأم والجنين إذا لم تُعالج.
- زيادة احتمالية الولادة القيصرية: غالباً ما يؤدي سكري الحمل إلى زيادة حجم الجنين (العملقة)، مما قد يجعل الولادة الطبيعية أكثر صعوبة ويزيد من الحاجة إلى إجراء عملية قيصرية.
- زيادة خطر الإصابة بداء السكري من النوع الثاني في المستقبل: هذه من أهم المضاعفات طويلة الأمد. النساء اللاتي أُصبن بسكري الحمل لديهن خطر أعلى بكثير (يصل إلى 40-50% أو أكثر في بعض الدراسات) للإصابة بداء السكري من النوع الثاني في وقت لاحق من حياتهن.
- زيادة خطر تكرار سكري الحمل: إذا أصبتِ بسكري الحمل مرة واحدة، فأنتِ أكثر عرضة للإصابة به مرة أخرى في أي حمل مستقبلي.
- عسر الولادة الكتفي: في بعض الحالات قد يؤدي كبر حجم الجنين إلى صعوبة خروج كتفيه أثناء الولادة الطبيعية، وهي حالة طارئة تتطلب تدخلاً سريعاً.
مضاعفات على الجنين/الطفل
ارتفاع مستويات السكر في دم الأم يمكن أن يعبر المشيمة ويؤثر على الجنين النامي، مما قد يؤدي إلى المضاعفات التالية:
- زيادة وزن الطفل عند الولادة (العملقة أو ماكروسوميا): الجلوكوز الزائد الذي يصل إلى الجنين يتم تخزينه على شكل دهون، مما يؤدي إلى نمو الجنين بشكل أكبر من المعتاد (غالباً أكثر من 4 كجم أو 9 أرطال). هذا الوزن الزائد يزيد من صعوبة الولادة الطبيعية وخطر تعرض الطفل للإصابات أثناء الولادة، والحاجة إلى ولادة قيصرية.
- الولادة المبكرة (قبل الأوان): قد يؤدي ارتفاع سكر الدم أو كبر حجم الجنين إلى زيادة خطر بدء المخاض والولادة قبل الموعد المحدد (قبل الأسبوع 37 من الحمل).
- صعوبات التنفس عند الولادة (متلازمة الضائقة التنفسية - RDS): الأطفال المولودون مبكراً أو حتى أحياناً الأطفال مكتملو النمو لأمهات مصابات بسكري الحمل غير منضبط، قد يعانون من عدم نضج الرئتين بشكل كافي مما يسبب صعوبة في التنفس بعد الولادة مباشرة ويتطلب دعماً تنفسياً.
- انخفاض مستوى سكر الدم (نقص سكر الدم) لدى المولود: بعد الولادة ينقطع فجأة إمداد الجلوكوز الزائد من الأم، لكن بنكرياس الطفل قد يكون لا يزال ينتج كميات كبيرة من الأنسولين (التي اعتاد عليها داخل الرحم). هذا يؤدي إلى انخفاض حاد في مستوى سكر دم الطفل بعد الولادة مباشرة. تتطلب هذه الحالة مراقبة دقيقة وتغذية فورية، وفي بعض الحالات قد تحتاج إلى محلول جلوكوز وريدي، وإذا لم تُعالج بسرعة فقد تسبب نوبات للطفل.
- اليرقان (الصفراء): قد يكون الأطفال المولودون لأمهات مصابات بسكري الحمل أكثر عرضة للإصابة باليرقان (اصفرار الجلد والعينين) بسبب زيادة مستوى البيليروبين الناتج عن تكسر خلايا الدم الحمراء الزائدة. عادةً ما يزول اليرقان بالعلاج المناسب، مثل العلاج الضوئي.
- زيادة خطر الإصابة بالسمنة وداء السكري من النوع الثاني في المستقبل: الأطفال الذين تعرضوا لبيئة رحمية ذات سكر دم مرتفع لديهم خطر متزايد للإصابة بالسمنة وداء السكري من النوع الثاني في مراحل لاحقة من حياتهم.
- ولادة جنين ميت (الإملاص): في حالات نادرة وخطيرة جداً يمكن أن يؤدي سكري الحمل غير المعالج أو غير المنضبط بشكل سيء إلى وفاة الجنين داخل الرحم قبل الولادة.
- مضاعفات أخرى: قد يعاني الطفل أيضاً من انخفاض مستويات الكالسيوم والمغنيسيوم في الدم بعد الولادة.
إن فهم كيف أن ارتفاع سكر دم الأم يدفع جسم الجنين للتكيف بطرق قد تؤدي لهذه المضاعفات (مثل إنتاج أنسولين زائد يؤدي للنمو الزائد ثم لهبوط السكر بعد الولادة) يوضح بشكل جلي لماذا يعتبر التحكم الدقيق في مستوى سكر دم الأم هو المفتاح الأساسي لحماية صحة الطفل على المدى القصير والطويل.
إدارة سكري الحمل والسيطرة عليه: خطة العلاج
بمجرد تشخيص إصابتكِ بسكري الحمل سيعمل فريق الرعاية الصحية معكِ لوضع خطة علاج شخصية تهدف إلى الحفاظ على صحتكِ وصحة جنينكِ. لا تقلقي، فمع الإدارة الصحيحة يمكن لمعظم النساء المصابات بسكري الحمل أن يحظين بحمل صحي وولادة آمنة.
الهدف: الحفاظ على سكر الدم ضمن المعدل الطبيعي
الهدف الأساسي والأهم في علاج سكري الحمل هو الحفاظ على مستويات السكر في الدم ضمن النطاق المستهدف والصحي، والذي يشبه إلى حد كبير مستويات السكر لدى النساء الحوامل غير المصابات بالسكري. تحقيق هذا الهدف هو الطريقة الأكثر فعالية لتقليل خطر حدوث المضاعفات المحتملة لكِ ولطفلكِ بشكل كبير.
مراقبة مستوى السكر في الدم
تعتبر المراقبة المنتظمة لمستوى السكر في الدم في المنزل جزءاً أساسياً وحيوياً من خطة العلاج. ستحتاجين إلى استخدام جهاز صغير يسمى جهاز قياس السكر في الدم (Glucometer). يتضمن الاستخدام عادةً وخز طرف إصبعكِ بإبرة صغيرة (مشرط) للحصول على قطرة دم صغيرة، ثم وضع هذه القطرة على شريط اختبار خاص يتم إدخاله في الجهاز لقراءة مستوى السكر.
سيحدد طبيبكِ عدد المرات التي تحتاجين فيها لقياس مستوى السكر في الدم والأوقات المحددة لذلك. بشكل عام يوصى بالقياس في الأوقات التالية:
- عند الاستيقاظ صباحاً وقبل تناول وجبة الإفطار (قياس السكر الصائم).
- قبل تناول الوجبات الرئيسية (أحياناً).
- بعد ساعة أو ساعتين من بدء تناول الوجبات الرئيسية.
من الضروري جداً تسجيل جميع قراءات السكر في الدم في دفتر ملاحظات خاص أو باستخدام تطبيق على الهاتف المحمول. هذه السجلات ستساعدكِ أنتِ وفريق الرعاية الصحية على تتبع مدى فعالية خطة العلاج (النظام الغذائي والتمارين الرياضية، والأدوية إن لزم الأمر) وإجراء أي تعديلات ضرورية.
وقت القياس | المستوى المستهدف الشائع |
---|---|
قبل الإفطار (صائم) | أقل من 95 (أو 92) (ملليجرام/ديسيلتر) |
بعد ساعة من بدء الوجبة | أقل من 140 (ملليجرام/ديسيلتر) |
بعد ساعتين من بدء الوجبة | أقل من 120 (ملليجرام/ديسيلتر) |
ملاحظة: هذه هي الأهداف الشائعة، وقد يحدد طبيبكِ أهدافاً مختلفة قليلاً بناءً على حالتكِ الفردية. استشيريه دائماً بشأن الأهداف الخاصة بكِ.
إن معرفة هذه الأهداف الرقمية تمنحكِ مرجعاً واضحاً لتقييم قراءاتكِ اليومية، مما يعزز شعوركِ بالتحكم ويساعدكِ على فهم مدى نجاحكِ في إدارة الحالة.
النظام الغذائي الصحي
يعتبر اتباع نظام غذائي صحي ومتوازن هو حجر الزاوية والعنصر الأساسي في علاج سكري الحمل. الهدف ليس الحرمان بل اتخاذ خيارات غذائية ذكية تساعد على التحكم في مستويات السكر في الدم مع ضمان حصولكِ أنتِ وجنينكِ على جميع العناصر الغذائية اللازمة.
إليكِ بعض النصائح العملية:
- اختيار الكربوهيدرات الصحية: الكربوهيدرات هي المصدر الرئيسي للطاقة ولكنها أيضاً تؤثر بشكل مباشر على مستويات السكر في الدم. ركزي على تناول الكربوهيدرات المعقدة الغنية بالألياف، فهي تُهضم وتُمتص ببطء أكبر مما يساعد على منع الارتفاعات الحادة في سكر الدم بعد الوجبات. تشمل الأمثلة:
- الحبوب الكاملة مثل: خبز القمح الكامل (النخالة)، الأرز البني، الشوفان الكامل، المعكرونة المصنوعة من القمح الكامل، البرغل، الكينوا.
- البقوليات: الفول، العدس، الحمص، الفاصولياء.
- الخضروات غير النشوية: البروكلي، السبانخ، الخس، الخيار، الطماطم، الفلفل.
- الفواكه (باعتدال): تناولي الفاكهة الكاملة بدلاً من العصائر، وانتبهي للكميات.
- ❌تجنب الكربوهيدرات البسيطة والمكررة: قللي قدر الإمكان من السكريات المضافة والأطعمة المصنوعة من الدقيق الأبيض، مثل:
- الحلويات، الكعك، البسكويت، المعجنات.
- المشروبات السكرية: المشروبات الغازية، العصائر المحلاة، مشروبات الطاقة.
- الخبز الأبيض والأرز الأبيض.
- مراقبة كمية الكربوهيدرات وتوزيعها: من المهم توزيع كمية الكربوهيدرات التي تتناولينها على مدار اليوم بدلاً من تركيزها في وجبة واحدة. قد ينصحكِ أخصائي التغذية بتعلم "عد الكربوهيدرات" لمساعدتكِ في التحكم بكمياتها في كل وجبة ووجبة خفيفة.
- التحكم في حجم الحصص الغذائية: حتى الأطعمة الصحية يمكن أن ترفع مستوى السكر في الدم إذا تم تناولها بكميات كبيرة. انتبهي لحجم الحصص التي تتناولينها. تذكري أنكِ لا تحتاجين إلى "الأكل لشخصين" بالمعنى الحرفي. احتياجاتكِ من السعرات الحرارية تزيد بشكل طفيف فقط في الثلث الثاني والثالث من الحمل (حوالي 340-450 سعرة حرارية إضافية يومياً إذا كان وزنكِ طبيعياً قبل الحمل).
- توازن الوجبات: احرصي على أن تكون كل وجبة متوازنة وتحتوي على مزيج من:
- البروتينات الخالية من الدهون: الدجاج منزوع الجلد، السمك، البيض، البقوليات، التوفو.
- الدهون الصحية: زيت الزيتون، الأفوكادو، المكسرات، البذور (باعتدال).
- الكثير من الألياف: من الخضروات والحبوب الكاملة والبقوليات.
- توقيت الوجبات: يوصى عادةً بتناول ثلاث وجبات رئيسية صغيرة الحجم، بالإضافة إلى وجبتين أو ثلاث وجبات خفيفة صحية بينها. حاولي تناول وجباتكِ في نفس الأوقات تقريباً كل يوم للحفاظ على استقرار مستويات السكر في الدم.
قد يحيلكِ طبيبكِ إلى أخصائي تغذية علاجية لوضع خطة غذائية مفصلة تناسب احتياجاتكِ وتفضيلاتكِ الفردية. تذكري أن الهدف هو نظام غذائي صحي ومستدام، وليس حمية قاسية ومؤقتة.
أهمية النشاط البدني
النشاط البدني المنتظم هو جزء مهم آخر من خطة إدارة سكري الحمل. تساعد التمارين الرياضية على زيادة حساسية خلايا جسمكِ للأنسولين، مما يعني أن جسمكِ يمكنه استخدام الجلوكوز بشكل أكثر كفاءة، وهذا يساعد على خفض مستويات السكر في الدم.
- التوصيات: يوصى بممارسة نشاط بدني معتدل الشدة لمدة 30 دقيقة على الأقل في معظم أيام الأسبوع (5 أيام أو أكثر)، بعد الحصول على موافقة طبيبكِ.
- التمارين المناسبة: اختاري الأنشطة التي تستمتعين بها والتي تكون آمنة أثناء الحمل. تشمل الخيارات الجيدة:
- المشي السريع.
- السباحة.
- يوجا الحوامل (Prenatal Yoga).
- تمارين الأيروبيك منخفضة التأثير المصممة للحوامل.
- الاحتياطات:
- استشيري طبيبكِ دائماً قبل البدء بأي برنامج تمارين رياضية جديد أثناء الحمل.
- تجنبي الإفراط في ممارسة الرياضة أو ممارسة التمارين الشاقة جداً.
- اشربي كمية كافية من الماء قبل وأثناء وبعد التمرين.
- انتبهي لإشارات جسمكِ وتوقفي إذا شعرتِ بألم أو دوخة أو ضيق في التنفس.
قد يؤدي النشاط البدني إلى انخفاض مستوى السكر في الدم (هبوط السكر)، خاصة إذا كنتِ تتناولين الأنسولين. من الجيد حمل مصدر سريع للسكر معكِ (مثل بضع حبات تمر، نصف كوب عصير، أو أقراص جلوكوز) لتناوله إذا شعرتِ بأعراض هبوط السكر أثناء أو بعد التمرين.
العلاج الدوائي
بالنسبة للعديد من النساء تكون التغييرات في النظام الغذائي وممارسة التمارين الرياضية كافية للسيطرة على مستويات السكر في الدم ضمن النطاق المستهدف. ومع ذلك إذا بقيت مستويات السكر في الدم مرتفعة على الرغم من التزامكِ بهذه التغييرات، فقد يصف لكِ الطبيب دواءً للمساعدة.
1. الأنسولين
يعتبر الأنسولين هو العلاج الدوائي الأكثر شيوعاً والأفضل لعلاج سكري الحمل. يتم إعطاؤه عن طريق الحقن تحت الجلد. السبب الرئيسي لتفضيل الأنسولين هو أنه لا يعبر المشيمة، وبالتالي لا يصل إلى الجنين ولا يؤثر عليه بشكل مباشر.
2. الأدوية الفموية
في بعض الحالات قد يصف الطبيب أدوية لخفض السكر تؤخذ عن طريق الفم (مثل الميتفورمين أو الغليبوريد). ومع ذلك لا تزال هناك حاجة لمزيد من الدراسات حول سلامة استخدامها على المدى الطويل أثناء الحمل مقارنة بالأنسولين، وعادةً ما يكون الأنسولين هو الخيار الأول المفضل.
إذا بدأتِ العلاج بالأنسولين أو أي دواء آخر، فستحتاجين إلى الاستمرار في مراقبة مستوى السكر في الدم بانتظام، وربما بشكل متكرر أكثر. من المهم أيضاً تعلم كيفية تعديل جرعة الأنسولين (بالتشاور مع طبيبكِ) حسب قراءات السكر ونشاطكِ البدني ووجباتكِ، حيث قد تتغير احتياجاتكِ من الأنسولين مع تقدم الحمل.
التعامل مع هبوط السكر (نقص سكر الدم)
هبوط السكر (Hypoglycemia) هو حالة تحدث عندما ينخفض مستوى السكر في الدم بشكل كبير (عادةً أقل من 70 ملغم/ديسيلتر). يمكن أن يحدث هذا كأثر جانبي لعلاج السكري (خاصة الأنسولين)، أو إذا تخطيتِ وجبة، أو أكلتِ أقل من المعتاد، أو مارستِ نشاطاً بدنياً أكثر من المعتاد.
من المهم أن تتعرفي على أعراض هبوط السكر حتى تتمكني من التعامل معه بسرعة. تشمل الأعراض الشائعة:
- الشعور بالرجفان أو الاهتزاز.
- الدوخة أو الدوار.
- التعرق البارد.
- الجوع المفاجئ والشديد.
- الصداع.
- الشعور بالارتباك أو صعوبة التركيز.
- شحوب الوجه.
- خفقان القلب.
- تشوش الرؤية.
- الشعور بالضعف أو التعب.
- تغيرات في المزاج (مثل العصبية أو القلق).
- فقدان الوعي أو نوبات تشنج (في الحالات الشديدة).
ماذا تفعلين إذا شعرتِ بأعراض هبوط السكر؟
- قومي بقياس مستوى السكر في دمكِ فوراً إذا أمكن.
- تناولي مصدراً سريعاً للسكر (حوالي 15 جراماً من الكربوهيدرات سريعة المفعول):
- نصف كوب (120 مل) من عصير الفاكهة (غير المحلى صناعياً).
- أو نصف علبة من المشروبات الغازية العادية (غير الدايت).
- أو 3-4 أقراص جلوكوز (متوفرة في الصيدليات).
- أو ملعقة كبيرة من السكر أو العسل.
- انتظري 15 دقيقة، ثم قيسي مستوى السكر مرة أخرى.
- إذا كان مستوى السكر لا يزال منخفضاً، كرري الخطوة رقم 2.
- بمجرد عودة مستوى السكر إلى النطاق الطبيعي تناولي وجبة خفيفة تحتوي على كربوهيدرات وبروتين (مثل قطعة خبز أسمر مع جبنة، أو بعض البسكويت مع الحليب) إذا كانت وجبتكِ الرئيسية التالية بعد أكثر من ساعة، وذلك لمنع حدوث هبوط آخر.
- أخبري طبيبكِ عن أي نوبات هبوط سكر تتعرضين لها، خاصة إذا كانت متكررة أو شديدة، فقد تحتاجين إلى تعديل خطة علاجكِ.
من الجيد دائماً حمل مصدر سريع للسكر معكِ في حقيبتكِ أو سيارتكِ تحسباً لحدوث هبوط مفاجئ.
هل يمكن الوقاية من سكري الحمل؟
بينما لا توجد طريقة مضمونة 100% لمنع الإصابة بسكري الحمل، خاصةً إذا كانت لديكِ عوامل خطر قوية غير قابلة للتعديل (مثل التاريخ العائلي أو العمر)، إلا أن هناك خطوات مهمة يمكنكِ اتخاذها لتقليل خطر الإصابة بشكل كبير، وهذه الخطوات تكون أكثر فعالية عند اتخاذها قبل حدوث الحمل.
الاستثمار في صحتكِ العامة قبل التخطيط للحمل هو أفضل استراتيجية لتهيئة جسمكِ بشكل أفضل للتعامل مع التغيرات الهرمونية والضغط الأيضي الذي يرافق الحمل. تشمل أهم الإجراءات الوقائية:
1. الحفاظ على وزن صحي
إذا كنتِ تعانين من زيادة الوزن أو السمنة، فإن خسارة بعض الكيلوجرامات قبل محاولة الحمل يمكن أن تقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بسكري الحمل. حتى فقدان نسبة صغيرة من الوزن (5-10%) يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً.
2. اتباع نظام غذائي متوازن وصحي
ركزي على تناول الأطعمة الكاملة والطبيعية، مثل:
- الكثير من الخضروات والفواكه.
- الحبوب الكاملة بدلاً من المكررة.
- مصادر البروتين الخالية من الدهون (الدواجن، الأسماك، البقوليات).
- الدهون الصحية (زيت الزيتون، المكسرات، الأفوكادو).
- الحد من الأطعمة المصنعة والسكريات المضافة والدهون غير الصحية.
3. ممارسة النشاط البدني بانتظام
حاولي ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة (مثل المشي السريع، السباحة، ركوب الدراجات) لمدة 30 دقيقة على الأقل في معظم أيام الأسبوع. النشاط البدني يساعد على تحسين حساسية الأنسولين والحفاظ على وزن صحي.
إن تبني نمط حياة صحي قبل الحمل لا يقلل فقط من خطر الإصابة بسكري الحمل، بل يساهم أيضاً في صحة الحمل بشكل عام وصحة طفلكِ المستقبلية. هذه الإجراءات تساعد على تحسين استجابة جسمكِ للأنسولين وتقوية قدرة البنكرياس، مما يجعله أكثر استعداداً للتعامل مع تحديات الحمل الأيضية.
ما بعد الولادة: المتابعة والخطوات المستقبلية
تهانينا على ولادة طفلكِ! بعد انتهاء رحلة الحمل هناك بعض الأمور الهامة المتعلقة بسكري الحمل التي يجب أن تضعيها في اعتباركِ للمحافظة على صحتكِ على المدى الطويل.
هل يختفي سكري الحمل بعد الولادة؟
في الغالبية العظمى من الحالات نعم يختفي سكري الحمل وتعود مستويات السكر في الدم إلى طبيعتها بعد الولادة بفترة قصيرة. يحدث هذا لأن المشيمة - التي كانت تفرز الهرمونات المسببة لمقاومة الأنسولين - يتم إخراجها من الجسم بعد الولادة، مما يسمح لعمل الأنسولين بالعودة إلى طبيعته.
أهمية فحص السكر بعد الولادة
على الرغم من أن سكر الدم يعود للطبيعي عادةً، إلا أنه من الضروري جداً إجراء فحص لمستوى السكر في الدم بعد الولادة للتأكد من ذلك، وللكشف المبكر عن أي احتمالية لوجود داء السكري من النوع الثاني أو مرحلة ما قبل السكري، والتي تكونين أكثر عرضة لها بعد الإصابة بسكري الحمل.
- التوقيت: يوصى عادةً بإجراء هذا الفحص بعد 6 إلى 12 أسبوعاً من الولادة.
- نوع الاختبار: قد يطلب طبيبكِ إجراء اختبار تحمل الجلوكوز الفموي (OGTT) مرة أخرى، أو قد يكتفي بتحليل سكر الدم الصائم أو تحليل الهيموجلوبين السكري (A1C)، الذي يعطي فكرة عن متوسط مستوى السكر في دمكِ خلال الشهرين أو الثلاثة أشهر الماضية.
هذا الفحص ليس اختيارياً، بل هو جزء حيوي من متابعتكِ الصحية بعد الولادة.
تقليل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني مستقبلاً
كما ذكرنا سابقاً تعتبر الإصابة بسكري الحمل بمثابة "نافذة" تطل على صحتكِ الأيضية المستقبلية، وتزيد بشكل كبير من خطر إصابتكِ بداء السكري من النوع الثاني في وقت لاحق من حياتكِ. لكن هذا لا يعني أن الإصابة حتمية! يمكنكِ اتخاذ خطوات فعالة لتقليل هذا الخطر بشكل كبير:
- الحفاظ على وزن صحي: اعملي على العودة إلى وزن صحي مناسب لطولكِ، أو فقدان الوزن الزائد الذي اكتسبتيه أثناء الحمل (وبعده) بشكل تدريجي وصحي.
- الاستمرار في اتباع نظام غذائي صحي: حاولي جعل العادات الغذائية الصحية التي اتبعتيها أثناء إدارة سكري الحمل جزءاً دائماً من نمط حياتكِ. ركزي على الأطعمة الكاملة، والخضروات، والفواكه، والحبوب الكاملة، والبروتينات الخالية من الدهون، والدهون الصحية، وقللي من الأطعمة المصنعة والسكريات.
- ممارسة التمارين الرياضية بانتظام: اجعلي النشاط البدني جزءاً روتينياً من حياتكِ. استهدفي 150 دقيقة على الأقل من التمارين المعتدلة الشدة أسبوعياً.
- الرضاعة الطبيعية: بالإضافة إلى فوائدها العديدة لطفلكِ قد تساعد الرضاعة الطبيعية أيضاً في إنقاص الوزن الذي اكتسبتيه أثناء الحمل، وقد تقلل قليلاً من خطر إصابتكِ بالسكري من النوع الثاني، كما أنها تقلل من خطر إصابة طفلكِ بالسمنة في المستقبل.
- الفحوصات الدورية: بناءً على نتيجة فحص السكر بعد الولادة سيحدد طبيبكِ عدد المرات التي تحتاجين فيها لإعادة فحص مستوى السكر. إذا كانت النتيجة طبيعية تماماً فقد تحتاجين للفحص كل 1-3 سنوات. أما إذا كانت ضمن مرحلة ما قبل السكري فستحتاجين لفحص سنوي ومتابعة لصيقة لتقليل خطر تطور الحالة إلى سكري كامل.
تذكري أن سكري الحمل كان بمثابة تحذير مبكر، ولكنه أيضاً فرصة ذهبية لتبني نمط حياة صحي يحميكِ من مشاكل صحية مستقبلية.
التخطيط للحمل المستقبلي
إذا كنتِ تخططين لحمل آخر في المستقبل فمن المهم جداً مناقشة الأمر مع طبيبكِ مسبقاً. نظراً لأنكِ معرضة لخطر تكرار الإصابة بسكري الحمل فسيساعدكِ طبيبكِ على وضع خطة لتحسين صحتكِ قدر الإمكان قبل الحمل التالي، بما في ذلك الوصول إلى وزن صحي والتحكم في أي عوامل خطر أخرى. المتابعة الدقيقة منذ بداية الحمل التالي ستكون ضرورية أيضاً.
أسئلة شائعة حول سكري الحمل
قد تظل لديكِ بعض الأسئلة حول سكري الحمل. إليكِ إجابات موجزة لبعض الأسئلة الأكثر شيوعاً:
متى يبدأ سكر الحمل بالظهور؟
يمكن أن يظهر في أي وقت ولكنه أكثر شيوعاً في الثلث الثاني أو الثالث من الحمل، ويتم الفحص الروتيني عادةً بين الأسبوع 24 و 28.
هل يؤثر الزعل أو التوتر على سكر الحمل؟
نعم يمكن أن يؤدي الإجهاد العاطفي والتوتر إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم بشكل مؤقت، كما أن التوتر المزمن قد يزيد من خطر الإصابة بالسكري بشكل عام. إدارة التوتر مهمة لصحتكِ العامة أثناء الحمل.
هل سكري الحمل خطير؟
يمكن أن يكون خطيراً ويسبب مضاعفات إذا لم يتم تشخيصه والتحكم به بشكل جيد. ولكن مع التشخيص المبكر والإدارة الفعالة (النظام الغذائي، والتمارين، والأدوية عند الحاجة، والمراقبة) يمكن تقليل المخاطر بشكل كبير جداً وضمان حمل صحي.
هل سأحتاج بالتأكيد إلى الأنسولين؟
ليس بالضرورة، فالعديد من النساء (الأغلبية في بعض الدراسات) يتمكنّ من التحكم في سكري الحمل بنجاح من خلال التغييرات في النظام الغذائي وممارسة الرياضة فقط. يتم اللجوء إلى الأنسولين أو الأدوية الأخرى فقط إذا لم تكن هذه التغييرات كافية للحفاظ على مستويات السكر ضمن النطاق المستهدف.
هل سيصاب طفلي بالسكري بسبب إصابتي بسكري الحمل؟
لا، سكري الحمل لا يعني أن طفلكِ سيولد مصاباً بالسكري. ومع ذلك فإن الأطفال المولودين لأمهات أصبن بسكري الحمل لديهم خطر متزايد للإصابة بالسمنة وداء السكري من النوع الثاني في مراحل لاحقة من حياتهم. لهذا السبب من المهم تشجيعهم على اتباع نمط حياة صحي منذ الصغر.
ما هو معدل السكر الطبيعي للحامل المصابة بسكري الحمل؟
تهدف خطة العلاج إلى إبقاء مستويات السكر قريبة من المعدلات الطبيعية للحوامل غير المصابات بالسكري. الأهداف الشائعة هي:
- أقل من 95 ملغم/ديسيلتر قبل الإفطار (صائم)
- أقل من 140 ملغم/ديسيلتر بعد ساعة من بدء الوجبة
- أقل من 120 ملغم/ديسيلتر بعد ساعتين من بدء الوجبة (كما هو موضح في الجدول أعلاه).
استشيري طبيبكِ دائماً بشأن الأهداف المحددة لحالتكِ.
الخاتمة
نأمل أن يكون هذا الدليل الشامل قد قدم لكِ فهماً أوضح وأشمل لسكري الحمل، وأجاب على تساؤلاتكِ وخفف من مخاوفكِ. تذكري دائماً أن سكري الحمل - على الرغم من كونه تحدياً - هو حالة قابلة للإدارة والسيطرة بشكل فعال.
النقاط الرئيسية التي نود أن تتذكريها هي:
- سكري الحمل حالة شائعة نسبياً تظهر خلال الحمل وتختفي عادةً بعد الولادة.
- التشخيص المبكر من خلال الفحص الروتيني أمر ضروري، حيث قد لا تظهر أي أعراض واضحة.
- التحكم الجيد في مستويات السكر في الدم من خلال النظام الغذائي الصحي، والنشاط البدني، والأدوية عند الحاجة، هو المفتاح لحماية صحتكِ وصحة جنينكِ وتقليل خطر المضاعفات.
- المتابعة بعد الولادة مهمة جداً لصحتكِ على المدى الطويل وتقليل خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني مستقبلاً.
- نمط الحياة الصحي الذي تتبنينه الآن يمكن أن يكون له تأثير إيجابي دائم على صحتكِ وصحة عائلتكِ.
أنتِ قادرة على التعامل مع هذا التحدي بنجاح. ويمكنك - بالمعرفة الصحيحة والدعم المناسب - الاستمتاع بحمل صحي وآمن.
لا تترددي أبداً في استشارة طبيبكِ أو فريق الرعاية الصحية الخاص بكِ. هم المصدر الأفضل للحصول على المشورة الشخصية التي تناسب حالتكِ الفردية، ولوضع خطة علاج ومتابعة مفصلة تضمن لكِ ولطفلكِ أفضل النتائج الصحية الممكنة.
المراجع:
- Centers for Disease Control and Prevention (CDC). Diabetes During Pregnancy. CDC. Updated May 30, 2023. Accessed April 13, 2025. https://www.cdc.gov/maternal-infant-health/pregnancy-diabetes/index.html
- Cleveland Clinic. Gestational Diabetes. Cleveland Clinic. Updated August 8, 2024. Accessed April 13, 2025. https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/9012-gestational-diabetes
- Centers for Disease Control and Prevention (CDC). About Gestational Diabetes. CDC. Updated July 19, 2023. Accessed April 13, 2025. https://www.cdc.gov/diabetes/about/gestational-diabetes.html
- Kintiraki E, Papakatsika S, Sifakis S, et al. Gestational diabetes mellitus: limits of the new diagnostic criteria. Hippokratia. 2010;14(Suppl 1):13-16.
- Ministry of Health, Saudi Arabia. سكري الحمل. Ministry of Health, Saudi Arabia. Updated October 24, 2023. Accessed April 13, 2025. https://www.moh.gov.sa/HealthAwareness/EducationalContent/wh/Pages/Gestational-Diabetes.aspx
- National Institute of Diabetes and Digestive and Kidney Diseases (NIDDK). Gestational Diabetes. NIDDK. Accessed April 13, 2025. https://www.niddk.nih.gov/health-information/diabetes/overview/what-is-diabetes/gestational
- Mayo Clinic. Prediabetes - Symptoms and causes. Mayo Clinic. Accessed April 13, 2025. https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/prediabetes/symptoms-causes/syc-20355278
- Kim SY, England L, Wilson HG, Bish C, Shapiro-Mendoza CK, Callaghan WM. Gestational Diabetes Mellitus and Risk of Adverse Outcomes in Subsequent Pregnancy. Prev Chronic Dis. 2015;12:E103. Published 2015 Jul 2. doi:10.5888/pcd12.150028
- Balsells M, García-Patterson A, Gich I, Corcoy R. Gestational diabetes mellitus: screening, diagnosis, and treatment. Curr Diab Rep. 2015;15(7):41. doi:10.1007/s11892-015-0616-x
إخلاء مسؤولية: المعلومات الواردة في هذا المقال هي لأغراض تثقيفية فقط ولا تعتبر بديلاً عن الاستشارة الطبية المتخصصة. يجب دائماً استشارة طبيبكِ أو مقدم الرعاية الصحية المؤهل بخصوص أي أسئلة لديكِ حول حالتكِ الصحية أو خطة علاجكِ.